عثمان
كان اسمه عثمان ,عثمان غير السعيد يظل يدور في الحي ذهابا وإيابا بدخل غرفته المتشققة جدرانها والمغبر طلاؤها ,كان كلما دخلها انهمرت من عينيه عبرات الأسى ,عبرات دافئة تعيده زمنيا في رحلة ما أقساها إنها رحلة إلى زمن غابر كان فيه عثمان دلك الشاب النشط المرتاح في منزل يعمه الحنان تحت ظل الأبوين الرؤوفين ’ولكن...عثمان المسكين صفعه الزمان وهرب منه الجميع إخوته الدين ضنهم يوما ملائكته الحارسة خانوه وطعنوه طعنة قاتلة ,نهبوا ممتلكاته وتركوه بلا ارث بلا مال بلا أدنى شيء يتمتع به إنسان كلما تذكر عثمان أحس بغصة تكاد تخنقه كنت أراه بعمل هنا وهناك يباري عواد الدهر بالعمل الدؤوب و لكن كان دائما حزينا عثمان تلك الشوكة التي تتلاعب بها الرياح في كل هبوب انه كالجرح الذي لا يندمل .شاءت الأقدار أن تكون غرفته الصغيرة قرب المدرسة كنا نسمعه في كل صباح يصيح صياح عجيبا كأنه يلحن للدهر أغاني الحزن ويستقبل فصلا جديدا من فصول حياته انه فصل الحزن فصل ليس كباقي الفصول صياح يبعن فينا قشعريرة كان المعلم دائما يذهب إليه ليخفف عنه قليلا فيسكت لبرهة تم يعود من جديد لعزف سيمفونيته الحزينة ...وهكذا دائما يتكرر نفس السيناريو في نفس البنية الزمنية والمكانية .استمر الأمر على هدا الخال إلى أن جاء دالك اليوم المشؤوم يوم التلاتاء المشؤوم دخل علينا المعلم وأول ما قاله لنا حديت نبوي شريف يقول فيه
عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي ( ص ) قال : من تردى من جبل فقتل نفسه ، فهو في نار جهنم يتردى فيها خالدا مخلدا فيها ابدا ، و من تحسى سما فقتل نفسه ، فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا ، و من قتل نفسه بحديدة ، فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها ابدا ))
وقال بصوت خافت لقد انتحر عثمان يا أبنائي وهدا يفسر لمادا لم نكن نسمع صراخه وغاص بنا الاستاد في دوامة من النصائح ولم يوقفه إلا بكاء معظم التلاميذ في القسم لم نكن نعرف لمادا نبكي هل لأننا نحس فقط بالشفقة أم حقا كان عثمان بالنسبة لنا اكتر من دلك كانت الساعة أنداك تشير إلى الحادية عشر و النصف صباحا سمح لنا الاستاد بالمغادرة وهرولنا نحن موقع الحادثة هناك تكدس قوم من الناس ينضرون إلى هدا الحدث العجيب الذي لم يروا مثيلا له من قبل لأنه بلم يسبق لأحد أن انتحر في بلدتنا و يا حسرتاه وجدنا عائلته قد التفت على الجثة وهم يذرفون دموع التماسيح, وددت لو انقض عليهم لأنزع عنهم تلك الأقنعة المزورة التي يختفي وراءها وجوه شياطين ولكن ما باليد حيلة ما زلت ادكر صوت الإسعاف المزعج صوت يزورنا مرة كل شهر ليتفقد المستوصف الصفير لم نكن نرى جثة عثمان بوضوح تسلقت شجرة العذبة التي كانت قرب الباب لأرى هناك رأيت منظرا لن أنساه ما حييت جثة هامدة ,عيون جاحظة وحبل مشدود على العنق غائر في اللحم لم يستطيعوا إخراجه لأنه كان معلقا فه لمدة يومين نزلت مسرعا بعد ما أفزعني دلك المشهد العجيب مشهد سبب لي الرعب إلى درجة أنني كلما نضرت إلى ركن من أركان المنزل أتخيل فيه عثمان أتخيل دلك الوجه الأزرق المرعب الخالي من أي اثر للحياة .لقد كان لهده الحادثة اثر بليغ على نفسية الأطفال اد عزفت الفتيات عن المجيء إلى القسم وكلما سألنا عن السبب قلنا نخاف أن يظهر عثمان والسبب في هدا الهلع هو أن جميع الأطفال رأوا دلك المنظر المخيف ... لن أنسى تلك الصفرة التي اغتلت وجهي دلك اليوم ولن أنسى قلق أمي علي التي سارعت في الحين إلى إقناعي أن عثمان رحل عن الدنيا ولا وجود له بالبيت رغم دلك تملكني إحساس أن عثمان يعيش في كل ركن من أركان المنزل ..و طول دلك الشهر شهد حينا ظاهرة غريبة لم يعد الأطفال يلعبون ليلا وانقرضت لعبة "كاشكاش "لأنهم لو لعبوها يعرفون أن عثمان ينتظرهم في كل زاوية من زوايا الزقاق المظلم ولم يزل اثر هدا الرعب إلا بعد أن توقف الناس عن قول .....انتحر عثمان
مستور صابر
|